الأحد، 26 يوليو 2009

الطفل الذي أخرس القمة ..


ربما يعتقد البعض أنني دخلت بهذا العنوان مهاترات بعض المتشدِّقين ... بينما سيعتبرني آخرون أن قد تخطَّفني الشيطان بمسِّه فأصبحت هائمًا على وجهي في حواري وأزقَّة المدينة القاتمة .. أتفوّه بكلمات لا تحمل أيّة دلالة ولا معنى ...
فيا قلمي الجريء اللاذع :ها أنت توقعني مجدِّدًا في أتون صراع متكرِّر مع السادة القرَّاء .. فينتقدني بعضهم .. ويرشقني بكلمات لاذعة بعضهم الآخر .. ويتحفظ آخرون ( وهم قلة من المحبين ) على ما أكتب .. ربما هم أيضًا في استحياء مني !!!
بهذه الكلمات تحدَّثت إلى قلمي !!! فلم يلزم هو الصمت .. وكعادته قرَّر كسر ذالك الجدار اللعين والشبيه بالران على أوراقي البالية المبعثرة .. فصرخ في وجهي قائلاً: على رسلك يا هذا !!! فما قصدت إيقاعك في أيٍّ مما تحدثت عنه .. وما جادت قريحتي بهذا العنوان إلا بعد أن سمعت خطابا جوهريَّا وناريًِّا من شبل غزّوايِ اسمه أحمد .. يبلغ من العمر تسعة أعوامٍ .. لم تجرّه طفولته البريئة إلى اللعب مع أقرانه .. أو أن يخاف الغريب عند قدومه.. وقف أمام كاميرا الجزيرة في شجاعة افتقدها أقرانه ، وتحدَّث في طلاقة لسان وبراعة خطاب على ما يعانيه أهل غزة بسبب الحصار ثم الإبادة الأخيرة .. تحدَّث عن قلَّة الأكل والشرب وانقطاع الكهرباء.. وعن نومهم على البلاط كما هو حال أمراء الخليج وذويهم !! وتسأل بعدها: ( هذي عِيشة ) ثم لم يلتقط أنفاسه حتى أجاب ( هذا حصار ... أكبر حصار لإسرائيل .. !! )

واستغرب باستهجان: لماذا لا نلعب مثل كافة أطفال العالم ؟؟ لماذا عندما نفتح التلفاز لا نشاهد أفلام الكارتون وبرامج للأطفال لنتعلم منها؟ .. لماذا عندما أفتح تلفازي لا أجد إلا جنازات وتشييعات واجتياحات؟ !!!

وبمرارة عاتب بهذه الكلمات أمين الأمم المتحدة والذي اقتصرت زيارته للقطاع الجريح على مؤسَّسات الأنوروا المستهدفة في الحرب .. في الوقت الذي نيران الحرب لا زالت مشتعلة ودخانها يصّعّد إلى السماء ليختلط بالغيوم الملوِّثة بالقنابل الفسفوريَّة لتتلبَّد سماء غزة بغيوم حالكة السواد فوق ما ارتوت به أرضها الطاهرة بدماء أبنائها الزكية ...

إنه طفل من أشبال غزة الصامدة لأيام شديدة وعصيبة من المحن .. وربما أكثر من عصيبة .. ولكن كل تلك المحن صقلت لفلسطين جيلا من الرجال .. صقلت لهم جيلا من أشبال يتحدثون بجرأة وواقعية وهم في عمر الزهور .. ألم يكن الشبل ( أحمد ) ذو التسعة أعوام معجزة إلهية وآية ربانيّة ظهرت في بلاد الرباط المقدس في أيامه المكتظة بالمحن والصمود معاً ؟؟ ألم تكن لطلاقة لسانه وقعاً على قلبك وقلوب قرائك ؟؟ ألم تثلج صدوركم ؟؟ ألم تترك أثراً في نفوسكم ؟؟ ألم تحرج قادتنا العرب في اقتصادية قممهم ؟؟ أجبني بربك !!! أم أنك أثرت الصمت أمام عجزك في الدفاع عن نفسك و أنت تتهمني بأنني السبب في إثارة الصخب والضجيج حول كتاباتك .. والتي لم يسلم منها أحد .. حتى أهلك وخلانك .. أجبني !!! وإن لم تستطع فاترك المجال لغيرك من قرائك (إن كان لك قرّاء) فيجيبوا عن سذاجة أسئلتي وغموضها .. وإن كنت أعتقد أنني لم أدع مجالاً للسذاجة والغموض وأنا أسطِّر هذه الأسئلة البديهيَّة ربما !!

ثم صمت قلمي لبرهة ليلتقط أنفاسه ويعيد الكرة مجدَّدا و يقول بصوت متهدج و عيون يملؤها الغضب والاستنكار على هجومي المباغت آنفاً، فيقول: و الله إني لأرى في كلمات ( أحمد ) ما يغنيني عن فصاحة ( مشعل ) ومراوغة ( أبو مازن ) و طلاقة ( إسماعيل هنية ) وتبجح ( عريقات ) .. أفلا تخرس قمةٌ جوفاءُ خاويةٌ .. قمةٌ وصفها أحدٌ من الباديةِ بقوله ( هدرزة عجايز في زفة ) كنايةً من عدمِ جدواها وفراغِ محتواها ..

لماذا اجتمع القادةُ في الكويت وقبلها الدوحة ؟؟ ألم يكن لعرضِ الصورِ المأساويةِ وإدانةِ الحرب الصهيونية وإلقاء الخطابات الرنّانة والتي لا تخلو من العثرات والكلمات السوقيّة .. والخروج منها ببيانات شجبٍ واستنكارٍ فاقدةِ المصداقية .. لا هدف من ورائها سوى امتصاص غضب الشارع وإنهاء كافة التظاهرات الاحتجاجية ..

خبِّرني بربك !!! ماذا فعلت تلك القمم منذ قمة ( أنشاص ) المصرية صائفة عام 1946 ؟؟ ألم تحتفل بإطفاء شمعتها الثانية بالنكبة العربية عام 1948 ؟؟ ألم تزه بربيعها الواحد والعشرين بنكسة 1967 ؟؟ وتتوالى الانتصارات التاريخية للجامعة العربية وحتى إذا بلغت الأربعين وبلغت أشدها بغارة أمريكية على مدينتيْ بنغازي وطرابلس الليبيتين .. وتحتفل بعامها الخمسين من عمرها المديد بمجزرة قانا الأولى .. ثم تُحال إلى التقاعد المبكِّر ( في نظر الشارع العربي ) عندما ناهزت الستين باجتياح القوَّات الأمريكية بلاد الرافدين وعاثت بعاصمة الرشيد الفساد .. ويرى شاعر من فحول اجدابيا أن العقد الستيني من عمرنا هو فرصة أخيرة لمحاسبة النفس والتوبة مما أقدمت عليه من خطايا وآثام .. وجامعتنا الهزيلة ستدخل في نهاية شهر مايو القادم ثلاثة وستين خريفا .. فما عساه أن تفعل؟ .. هل ستستمر على منوالها من قمم للخلافات الشائكة وتتلوها قممٌ من المصالحة الباهتة؟ .. أم أن فيها رجلاً رشيدًا يستمع لنصيحة حُطيْئة اجدابيا كما وصفه (السعيطي في كتابه مدينة من مدن الشمس) فيراجع ما فات ويتقي الله في أمتنا في ما هو آتٍ .. وظني أن لا يخلو مكان ولا زمان من رشيد حكيم ..!!!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موقع الإجدابي 16 / 02 / 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق